إسرائيل- عدوان مستمر ومطامع هيمنة في المنطقة

المؤلف: إيهاب جبارين09.27.2025
إسرائيل- عدوان مستمر ومطامع هيمنة في المنطقة

منذ بضعة أيام مضت، صعّدت إسرائيل وتيرة غاراتها الجوية على منطقة طرطوس، مستمرة في اتباع نهج تصعيدي يكشف عن رغبة جامحة في التوسع والعدوان. وقبل أسبوع من ذلك، ظهر نتنياهو في مؤتمر صحفي، متفاخرًا بما أسماه إنجازات إسرائيل خلال العام المنصرم، أو بتعبير أدق، مستعرضًا إنجازاته الشخصية ومزاياه التي قدمها لإسرائيل، ومبررًا سبب وجوب التمسك به، باعتباره الشخص الوحيد القادر على إدارة الأزمات مهما بلغت حدتها، وذلك بحزم وبقوة.

الجدير بالانتباه أنه تعمد الإبقاء على جميع الملفات مفتوحة، على الرغم من قدرته الواضحة على إغلاقها، على الأقل ملف لبنان الذي أنجز فيه اتفاقية واضحة المعالم ومحددة الأركان. ولكن من الواضح أن نتنياهو سعى للإشارة إلى أن إسرائيل لا تزال في أمس الحاجة إليه، وهو ما قصده تحديدًا عندما صرح بعبارات صريحة وواضحة بأنه "يأمل أن تظل إسرائيل موجودة إلى الأبد". إنه بذلك يلمح بطريقة دقيقة إلى أن هذا الأمر برمته يعتمد على خياراتكم وطريقة تعاملكم معه شخصيًا، باعتباره "المنقذ".

ولكن بعد مرور يوم واحد فقط، وجد نتنياهو نفسه في قفص الاتهام والاستجواب، ليتذكر أن ما تبقى له من وقت ليس سوى سنوات معدودة، ربما ثلاث سنوات على الأكثر، (هذا إذا لم تتدخل أي عوامل خارجية غير متوقعة) ليصدر الحكم النهائي على مستقبله السياسي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه على أعتاب إنهاء العقد الثامن من عمره، وبالتالي يجب عليه أن يختتم مسيرته السياسية بإرث يخلد ذكراه.

كان نتنياهو واضحًا وجليًا، على الأقل في الأشهر الأربعة الأخيرة، في أن رؤيته لإسرائيل، أو ما يمكن أن نسميه مشروع نتنياهو، تتجسد في خطوتين أساسيتين: الأولى هي بسط النفوذ الإسرائيلي بشكل كامل وشامل بين البحر والنهر، وأصبح من الواضح أن هناك طموحات حقيقية لدى إسرائيل في عدم التخلي عن السيطرة على قطاع غزة.

كما أنه لم يخفِ أبدًا طموحه العارم في أن تصبح إسرائيل دولة ذات سيادة مطلقة وهيمنة كاملة في منطقة الشرق الأوسط.

ثم تأتي القضية السورية. فاحتمالية سقوط نظام الأسد، الذي كان بمثابة الحارس الأمين لجبهة إسرائيل منذ عام 1974، يثير قلق بالغ. فتلك الحدود (حدود هضبة الجولان المحتل) كانت تعتبر الأكثر هدوءًا واستقرارًا بالنسبة لإسرائيل منذ ذلك التاريخ، بل وأكثر أمانًا من حدود إسرائيل مع الأردن ومصر بعد توقيع اتفاقيات السلام. سواء بلغة مكتوبة أو غير معلنة، كان من البديهي أن هناك تفاهمات ضمنية ومخفية بين النظام السابق وإسرائيل، وأن إسرائيل كانت تثمن جهود النظام في كبح جماح الفلسطينيين وثوارهم، كما تجلى ذلك بوضوح في محطات تاريخية فاصلة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل لم تكن راضية أبدًا عن وجود ما يسمى "أوتوستراد طهران- الضاحية الجنوبية". وبالتالي، فإن معظم انتهاكاتها واستهدافها للأجواء السورية كان يقتصر فقط على قصف هذا الأوتوستراد، وذلك ضمن إطار وشروط "حق الرد" السوري الأسدي في الزمان والمكان المناسبين.

لهذه الأسباب بالتحديد، عندما تحرك الثوار نحو الجنوب، عقدت إسرائيل اجتماعات مكثفة في مقر الحكومة على مدار ليالٍ متواصلة، محاولةً دراسة وتقييم السيناريوهات المحتملة للتعامل مع الوضع السوري المستقبلي. فالوضع القائم سينهار حتمًا، والسيناريو المفضل لدى إسرائيل هو أن تتحول سوريا إلى ساحة حرب أهلية دامية تزهق أرواح السوريين وتقضي على آمالهم في الاستقرار، وأن تفشل هذه الثورة في تحقيق أهدافها.

لهذا السبب، يمكن القول إن التحركات الإسرائيلية، بمختلف أشكالها ومسمياتها، جاءت لتعكر صفو فرحة السوريين بإنجازات ثورتهم السلمية، ومحاولة سلبهم الشعور بالأمن والاستقرار من خلال الترويج لسيناريوهات الحرب الأهلية، وإراقة الدماء، والاقتتال في الشوارع، الذي كان موجودًا بالفعل على نطاق ضيق داخل سوريا، لتذكيرهم بما حدث في ثورات الربيع العربي.

ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فالأراضي الجديدة التي احتلتها إسرائيل هي سلوك استفزازي يهدف إلى استكشاف ردود فعل الحركات الثورية في سوريا من جهة، وإرسال رسالة واضحة لهم عبر الضربات التي قامت بها: "ما كان هو ما سيكون، بل وأكثر حدة وشراسة". فحالة الهيجان الأمني وانتهاك السيادة السورية بشكل صارخ تسعى إسرائيل من خلالها إلى إشعال فتنة أمنية، وربما إيقاظ بعض الأطراف النائمة التي لا تزال صامتة.

يجب أن نتذكر أيضًا أن هناك ساحة خلفية تمتلك إسرائيل فيها براعة فائقة، وهي ساحة الاستخبارات الرمادية، التي تستخدمها لتفعيل الفتنة داخل سوريا بشكل نشط، وذلك من خلال تضخيم أي بيان تمرّدي، حتى وإن كان ضعيفًا ولا يمتلك أي تأثير حقيقي. لأن هدفها الأسمى هو خلق حرب أهلية تؤدي إلى تقسيم البلاد إلى دويلات متناحرة لا تشكل أي تهديد على أمنها، تمامًا كما كان الوضع مع النظام السابق، بل وربما بهدف إشغالهم وإبعادهم عن التفكير في قضية الجولان السوري المحتل.

وهذا ما عبر عنه نتنياهو بأسلوب ديكتاتوري فج، عندما أعلن أن اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 تعتبر لاغية وباطلة. ففي دولة تزعم أنها الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، يجب أن تتخذ القرارات المتعلقة بإلغاء الاتفاقيات عن طريق البرلمان، وبعد دراسة متأنية في الغرف المغلقة، وليس عبر إعلان فردي في مؤتمر صحفي للعلاقات العامة. فهو يقول صراحة إن الجولان تم احتلاله من الجمهورية العربية السورية، التي أصبحت جزءًا من الماضي، وإن إسرائيل ستتعامل مع الوضع السياسي القادم أيًا كان شكله.

وفي إطار سيناريوهات الدويلات المتناحرة، تسعى إسرائيل إلى تنفيذ مشروعها القديم الجديد، ألا وهو إنشاء دولة للأقليات المتحالفة داخل منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا دولة للأكراد. لطالما عملت إسرائيل على تحقيق هذه الخطة منذ ستينيات القرن الماضي، وربما شهدت العشرين سنة الأخيرة نشاطًا مكثفًا في هذا الاتجاه، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية، ففي هذا السيناريو، تسعى إسرائيل إلى إزعاج الدول العربية من جهات متعددة.

يجب ألا نغفل أيضًا، وهذا هو الأهم، أن العلاقة بين إسرائيل وإيران كانت دائمًا علاقة ودية ومثالية خلال الثلاثين عامًا الأولى. ففي فكرها التقسيمي، تؤمن إسرائيل بضرورة تقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى كيانات أصغر قائمة على أساس الأقليات بهدف تشكيل تحالف قوي لمواجهة الهيمنة القومية العربية بمفهومها الشامل.

وبعيدًا عن انشغالها الدائم بإثارة النعرات الطائفية، يجب أن نتذكر أنه في حالة وجود دويلات طائفية متناحرة، فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى سباق تسلح محموم، وطالما كانت إسرائيل تستغل هذه النزاعات في منطقة الشرق الأوسط لتسليح طرف ضد آخر، بهدف تحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى، وهذا ما قامت به مع نظام الملالي في إيران ضد العراق، وفي الحرب الأهلية اليمنية ضد الجيش المصري.

فالضربات التي توجهها إسرائيل اليوم للبنية التحتية العسكرية تأتي في سياق خلق سباق تسلح تكون هي الطرف المسيطر عليه، وتشتري من خلاله الولاءات من أشباه الدول المتناحرة، التي بالكاد تستطيع امتلاك بضع بنادق كلاشينكوف بطبيعة الحال.

ومن هذه النقطة تحديدًا ننتقل إلى سيناريو الدولة السورية الموحدة، فمن خلال قصف البنية التحتية، تضمن إسرائيل ألا تشكل هذه الدولة بأي شكل من الأشكال خطرًا على المصالح الإستراتيجية لإسرائيل، حتى وإن كنا نتحدث عن أسلحة قديمة ومتهالكة، ولا تقارن بالتهديد العسكري الإسرائيلي الذي يحيط بالمنطقة بأكملها.

ففي رؤيتها، تسعى إسرائيل إلى أن تكون هذه الدولة تابعة لها، وليس بالضرورة أن يكون التطبيع عبر اتفاقيات رسمية وعلنية، بل يمكن أن يكون عبر دولة محايدة وتابعة، أقرب ما يكون الوضع مع النظام السابق، بل وأكثر تبعية، دولة مرتبطة بإسرائيل في سباق التسلح: من حيث الكم والنوع وغير ذلك من أوجه التبعية.

أما عن السيطرة على الأرض، فهي ورقة تفاوض واضحة تحاول إسرائيل من خلالها التفاوض مع الدولة السورية المستقبلية على اتفاقيات مهما كانت طبيعتها، وذلك من خلال عقيدتها المعروفة، عقيدة "الأرض مقابل السلام".

وسوف تحاول بهذه الإستراتيجية أن تحقق مثل هذه الشروط، ومن الواضح أنها ستحاول أن تملي وتفرض شروط استسلام، والأهم من هذا كله هو تنازل الدولة السورية المستقبلية عن هضبة الجولان المحتلة بالكامل، أو قد يكون ذلك جزءًا من المناورة أمام إدارة ترامب لتحقيق "خطة الضم" في الضفة الغربية.

وفي زيارة قد ترمز إلى نهاية مرحلة من التعقيدات الميدانية الإسرائيلية في لبنان وسوريا وفلسطين، يقف نتنياهو على أعلى قمة احتلتها إسرائيل في جبل الشيخ السوري، مؤكدًا أن قوات الاحتلال ستبقى في هذه المنطقة حتى يتم التوصل إلى ترتيب يضمن ما أسماه "أمن إسرائيل".

تعكس هذه التصريحات نوايا إسرائيلية راسخة لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، خاصة بعد انهيار النظام السابق في سوريا، وتؤكد على الأهمية الإستراتيجية لجبل الشيخ بالنسبة للأهداف الخفية لإسرائيل، وهي تحقيق هيمنة مطلقة وغير قابلة للطعن ما بين النيل والفرات، تحت ستار حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأن الحق في الدفاع عن النفس حكر عليها وحدها دون غيرها من العرب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة